فصل: الفصل العشرون في قصة مريم وعيسى عليهما السلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات ***


الفصل التاسع عشر في قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس

ركب سليمان يوماً مركب الريح، فراحت بوادره على وادي النمل، فندت نملة فنادت أخواتها بنداء ‏"‏لا يحطمنكم‏"‏ فحملته أريحية سكر الشكر على طرب ‏"‏فتبسم ضاحكاً‏"‏ وذلك أنها بلفظ ‏"‏يا‏"‏ نادت ‏"‏أيها‏"‏ نبهت ‏"‏النمل‏"‏ عينت ‏"‏أدخلوا‏"‏ أمرت ‏"‏مساكنكم‏"‏ نصت ‏"‏لا يحطمنكم‏"‏ حذرت ‏"‏سليمان‏"‏ خصت ‏"‏وجنوده‏"‏ عمت ‏"‏وهم لا يشعرون‏"‏، عذرت، فلما فصل طالوت ملكه بالجنود عن وادي النمل، وقع في مفازة لا يرى فيها على ماء علماً، فجاش جاش الجيش لفقرهم في القفر إلى الماء الما، وكان الهدهد يدلهم على الماء فغاب، فتواعده بلفظ ‏"‏لأعذبنّه‏"‏ فجاء ببهت ذكي ‏"‏أحطت بما لم تحط به‏"‏ فحمله كتاباً، فألقاه من قاره، بمنقاره، فرأت اليقظى بيقظان فهمها كتاباً مختوماً، كلاماً عجيباً، وحاملاً غريباً، فصادها العقل والفهم فصاداها، فاستشارت قومها فأوموا إلى الحرب بلفظ ‏"‏نحن أولو قوة‏"‏ فعلمت أن من جنده الطير لا يقاوم، وبعثت ما يفرق به بين الدعوة والدعوى ‏"‏وإني مرسلة إليهم بهدية‏"‏ واعجبا للذهب إذا ذهب سهمه لا يخطي، وللرشا إذا رشت مزالق أقدام العقول لا تبطي‏.‏

لا يغرنك من الـم*** رء إزارٌ رقعـهْ

وقميص فوق كعب*** الساق منه رفعـهْ

وجبـينٌ لاح فـيه*** أثر قد خـلـعـه

أره الدرهم تعرف*** غيه أم ورعــه

فلما بدت هوادي هديتها، صاح سليمان بعز ‏"‏أتمدونني بما‏"‏ فلما صح عندها ما يدعو إليه وثبت، وثبت على أقدام الطلب، وهيأت مراكب القصد، ورحلت في هجير شمس الهدى على نجائب الهجرة، فلما سمع سليمان برحيلها، أراد تقوية دليلها، فنادى في نادي عفاريته، مستعرضاً جند بطشها ‏"‏أيُّكم يأتيني بعرشها‏"‏ فلما جيء به ستره بقرام ‏"‏نكِّروا‏"‏ ثم ابتلاها، ليرى ذكاها ‏"‏أهكذا عرشك‏"‏ ثم صرح بلفظ ‏"‏ادخلي الصرح‏"‏ فشبه لها لضعفها عن لطافة كاس ساقيها، فكشفت عن ساقيها، فلما وصلت وسلمت، أسلمت فسلمت، وحلت قبل أن حلت نطاق النطق، فنثرت خرزات نظامه على نظم العذر ‏"‏إني ظلمت نفسي وأسلمتُ مع سليمان لله رب العالمين‏"‏‏.‏

الفصل العشرون في قصة مريم وعيسى عليهما السلام

كانت أم مريم جنة قد حنت إلى ولد، فكبر عليها امتناعه واستولى الكبر، فرأت يوماً طائراً يغذو فرخاً فرحاً، فرجى أملها اليؤوس فرحاً فرجاً، فسألت عند هذه القضية ولديها ولداً، فلما علمت بالحمل أكسبها السرور ولهاً، فوهبته بلسان النذر لمن وهبه لها، فقال القدر‏:‏ يا ملك التصوير، صور الحمل أنثى، ليبين أثر الكرم في قبول الناقص‏.‏

فلما وضعتها وضعتها بأنامل الانكسار عن سرير السرور، فإن لسان التلهف لما ألقى على الفايت ‏"‏إني وضعتُها أنثى‏"‏ فجير كسرها جابر ‏"‏فتقبلّلَها‏"‏ وساق عنان اللطف إلى ساق زرعها، فربا في ربى ‏"‏وأنبتها‏"‏ فانطلقت بها الأم تأم بيت المقدس، فلبس القوم لامهم في حرب ‏"‏يُلقون أقلامهم‏"‏ فثبت قلم زكريا إذا وثبت الأقلام فكفتها وكفلها، فأراه المسبب غناها عن السبب‏.‏ بآية ‏"‏وجد عندها رزقاً‏"‏ فرباها من ربها فنشأت لا ترى إلا ربها‏.‏

فانتبذت يوماً من أهلها، فأقبل نحو ذلك البري البري بريد ‏"‏فأرسلنا‏"‏ فتحصنت الحصان بحصن ‏"‏إني أعوذ‏"‏ فانزوى إلى زاوية ‏"‏إنما أنا رسول ربك‏"‏ وأخبرها بالتحفة في لفظ ‏"‏ليهب‏"‏ فأقيمت فأقيمت في مهب ريح الروح، فتنفست الكلمة من كمين الأمر، فنفخ جبريل في جنب الدرع جيب، فمرت المرأة حاملاً في الوقت، فلما علمت ألمت بما حمل عليها الحمل، فأخرجها الحياء الحي عن الحي، فلما فاجأها وقت الوضع، فاجأها المخاض إلى الجذع، تحيرت من وجود ولد، وما فجرت، فجرت عين الدمع، فصاح لسان الخفر، بلفظ الندب ‏"‏يا ليتني مت قبل هذا‏"‏ فأجابها الملك، عن أمر من ملك ‏"‏أن لا تحزني‏"‏ وأجرى لها في أواني الأوان سرى، كما وهب لها من الغلمان سرى فسرى عن سرها وجود الظهور، وأنس الظاهر، فسرا، وأريت آية تدل على من قدر القدرة في مقام ‏"‏وهُزّي‏"‏ فهزت جذم جذع مايل مثل الحطب، فتساقط عليها في الحال رطب الرطب، فأخذها الجوى، في إعداد الجواب، فقيل لها ‏"‏كلي‏"‏ كل الكل، إلى من له الكل، كنت بمعزل من وجود الولد، فكوني بمعزل من إقامة العذر، فالذي تولى إيجاده يقيم عذر العذرا، لا تعجبي من وجود حمل سافر عن أرض القدرة، فلم يصلح أن ينزل إلا بمنزل، أركانه على عمد ‏"‏إن الله اصطفاك وطهركِ واصطفاكِ‏"‏ فلما سكتت وسكنت، بعد أن قعدت وقامت، أقامت أيام النفاس فانقضت وفاتت ‏"‏فأتت بها قومه تحمله‏"‏ فنادوا من أندية التوبيخ، إذ ما شاهدوا قط أختها ‏"‏يا أخت هارون‏"‏ فأضجروا مريضاً قد ضنى من أنين ‏"‏إني‏"‏ على فراش ‏"‏يا ليتني مت‏"‏ فلما شارت أرى الرأي‏.‏ أشارت إليه، فأخذت السنة تعجبهم تعج بهم ‏"‏كيف نكلِّم‏"‏ فكأنها قالت لهم‏:‏ أنا طريق وهذا مر بي، والمسافر يسأل عن الطريق لا الطريق عن المسافر، فقام عيسى يمخض أوطاب الخطاب على منبر الخطابة، فأبرز بالمخض محض إبريز الإقرار ‏"‏إني عبد الله‏"‏ وأومى إلى وجوده من غير أب، في إشارة ‏"‏وبراً بوالدتي‏"‏ وكانت واسطة عقده ‏"‏ومبشراً برسول‏"‏‏.‏

فلما تم له سن الشباب، جلس على باب المعجزة، يعطي العافية العافية، ويبرئ الأكمه والأبرص، فربما ألفى ببابه خمسين ألفاً يؤمونه في كل يوم، ولقد فرك الدنيا فطلقها أي تطليق، وأبغضها ولا كبغض الرافضي الصديق، فغزاها بجند الزهد بين مسرح وملجم، وفتك بها كما فتك بالتقى ابن ملجم، ما التفت إليها قط وجه عزمه، ولا صافحا يوماً كف قلبه، ولا غازلها يوماً لسان فكره فلم يعرف حقيقة ما حوى سوى الحواريين، فشمروا عن ساق العزائم، في سوق بدن الأبدان إلى منى المنى، تحن بلفظ ‏"‏نحن أنصار الله‏"‏ وكتبوا في عقد العقايد ‏"‏آمنا بالله‏"‏ فعدلوا بها إلى عدل ‏"‏واشهد بأنّا مسلمون‏"‏‏.‏

ثم إن اليهود اجتمعوا في بيت ‏"‏ومكروا‏"‏ فزلزل عليهم بيد ‏"‏ومكر الله‏"‏ فدخل عيسى خوخة، فدخل خلفه ذو دخل فألقى عليه شبهه، فحاق بالمرء مرّ مراده، وصاح فيه حاكم القدر جود مراقيها‏.‏

الفصل الحادي والعشرون في قصة يحيى بن زكريا عليه السلام

لما قام زكريا عليه السلام بإقامة الإقامة لمريم، رأى وكيل الغيب يسبقه بالإنفاذ على يد القدرة في كنّ كن، وكان إذا خرج ثم جاء فاجأ ثم الثمار قد نمت، فكم قد ألفى الفاف الفاكهة الفايقة لا في حينها، فتلمح بعين زرقاء الفهم، فرأى نفقة الجارية جارية، وكيس الأسباب على ختمه، فصاح لسان الدهش ‏"‏أنّى لكِ هذا‏"‏ فأحالت الحال على المسبب ‏"‏هو من عند الله‏"‏ فنبهت هذه الآية راقد طمعه، بعد أن طال وسنه سبعين سنة، فسن على سنة وجهه ماء رجاء ماء آسن مما لم يتسنه وقام الدردح بعد أن تقعوس وتسعسع وعسى على باب عسى في محراب ‏"‏دعا زكريا ربه‏"‏ فسرى بسره سراً، لئلا ينسب إلى فن من أفن، وكتب قصة ‏"‏لا تذرني فرداً‏"‏ وشكا ما شيك به مما حل من حل التركيب وشيكاً، في كلمات هن ‏"‏وهن العظم مني‏"‏ فلما أورد في قصته، ما يريد حملها بريد الرجاء، إلى من عود العود العود فكشف الجوى في الجواب، لله دره خدم حتى شاب، ثم طلب نابياً على الباب، فأصبح ميت أمله بوجود يحيى، فمشى لمشاهدة وجه القدرة، وقد حال بينهما سفر العادات، إلى أن لفظ بلفظ ‏"‏إني‏"‏ وهتف به هاتف ‏"‏هو عليَّ هيِّن‏"‏ فسأل علماً على ما يعلم به وجود الحمل، لحمل نفسه على الشكر، فوعد بسجن اللسان، مع سلامة اللسان، إلا عن ذكر الرحمن، ليكون حج نطقه مفرداً‏.‏

فلما ولد له يحيى، لم يبلغ مبلغ يافع، إلا وهو ولد نافع، كان صبا الصبا تميل بالصبيان ولا تهزه، فإذا قالوا له هلم بنا فلنلعب، قال‏:‏ إنما خلقنا للتعب لا للعب، فقط له القدر قطاً من عصام العصمة ما قط لأحد، فما خطا إلى خطأ ولا هم، ولقد رمى الدنيا عن يد التمسك، وعلا عن فضولها على قلل التقلل، فكان عيش عيشه العشب، واقتنع بمسوك الحيوان عن السب والشف والمشبرق، وشغله عن رقش نقش القشيب والدمقس ما لف مما لفق، ولقد دوى في دو فؤاده غيم الغيم فغدا الغدق يدق إلى أن فاض قليب قلبه، فانقلبت عيناه بقلب كالعيون حتى فرت، فحفرت في أخدود الخدود مجرى، ولم يزل معول دمه يحفر ركية خده، حتى بدت فيه أضراس فيه، يا عجباً من بكاء من ما عصى ولا هم، وضحك من كتابه بالذنوب قد ادلهم، فلما قارب الوفاة وفات العدو، علم من آفات النقل في المواطن المخصوصة، بوحش الوحشة، فتخلص فيها من أسد البلاء، كما حمى من ذنب الذنب ‏"‏يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حياً‏"‏‏.‏

الفصل الثاني والعشرون في قصة أهل الكهف

كان رقم ‏"‏كتب في قلوبهم الإيمان‏"‏ قد علا على كهف قلوب أهل الكهف، فلما نصب ملكهم شرك الشرك، بان لهم خيط الفخ ففروا، وخرجوا من ضيق حصر الحبس إلى الفضاء فضاء لهم، فما راعهم في الطريق إلا راع وافقهم، فرافقهم كلبه، فأخذوا في ضربه لكونه ليسوا من ضربه، فصاح لسلط حاله لا تطردوني لمباينتي جنسكم، فإن معبودكم ليس من جنسكم، أنا في قبضة إيثاركم أسير، أسير إن سرتم، وأحرس إن نمتم، فلما دخلوا دار ضيافة العزلة، اضطجعوا على راحة الراحة من أرباب الكفر، فغلب النوم القوم ‏"‏ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً‏"‏ وكانت الشمس تحول عن حلتهم لحراسة حلتهم من بلاء بلي، وأعينهم مفتوحة لئلا تذوب بأطباق الأطباق، ويد اللطف تقلب أجسادهم لتسلم من أفن عفن، وجرت الحال في كلبهم، على ما جرت بهم، فكأنه في شرك نومهم قد صيد ‏"‏بالوصيد‏"‏‏.‏

فخرج الملك بجم جمعه في طلابهم فإذا بهم، فسد الباب وما وعى على وعاء مسك، فأضاع حتى ضاع بيد الملك في بيد الهلك، فانساب راع إلى سبسبهم، ففتح باب الكهف ليحوز الغنم، فهب الهواء فهب الراقد، فترنم أحدهم بلفظ ‏"‏كم لبثتم‏"‏ فأجابه الآخر ‏"‏يوماً‏"‏ ثم رأى بقية الشمس نقية فاتقى بالورع ورطات الكذب، فعاد يتبع أوب ‏"‏أو بعض يوم‏"‏ فلما قفلوا من سفر النوم إلى ديار العادة، زاد تقاضي الطبع بالزاد، فخرج رئيسهم في ثوب متنكر، فضلت معرفته المعاهد، فأقبل يتهم اليقظة، فمد إلى بايع الطعام باعه، فما باعه، وظن أنه قد وجد كنزاً، ولقد وجد كنز ‏"‏وزدناهم هدى‏"‏ فحمله القوم إلى الوالي، فقال إنه لمالي، فما لكم ومالي‏؟‏ كنا فتية أكرهنا على فتنة فخرجنا عشية أمس، فنمنا في باطن كهف، فلما انتبهنا خرجت لأبتاع للأتباع قوت القوت، فسار القوم معه في عسكر التعجب، فسمع إخوانه جلبة الخيل، في جلبة الطلب، فتجاوبوا بأصوات التوديع، وقاموا إلى صلاة مودع، فدخل تمليخا فقص عليهم نبأهم، فعادوا إلى مواضع المضاجع، فوافتهم الوفاة، وفات لقاؤهم وسدلت عليهم حجاب الرعب، كف ‏"‏لو اطّلعت‏"‏‏.‏

إخواني ليس العجب من نائم لم يعرف قدر ما مر من يومه، وإنما العجب من نائم في يقظة عمره‏.‏

أما والله لو عـرف الأنـام*** لما خُلقوا لما غفلوا وناموا

لقد خُلقوا لِما لو أبصـرتـه*** عيون قلوبهم ساحوا وهاموا

ممات ثم قبر ثـم حـشـر*** وتوبيخ وأهـوال عِـظـامُ

يوم الحشر قد خُلقت رجالٌ*** فصلوا من مخافته وصاموا

ونحن إذا أمرنا أو نهـينـا*** كأهل الكهف أيقـاظ نـيامُ

الفصل الثالث والعشرون في بداية أمر نبينا ورضاعه صلى الله عليه وسلم

خلق نبينا صلى الله عليه وسلم من أرضى الأرض أرضاً، وأصفى الأوصاف وصفاً، وصين آباؤه من زلل الزنا، إلى أن صدفت بتلك الدرة صدفة آمنة، فوثبت لرضاعه ثويبة، ثم قضت باقي الدين حليمة، فقام نباته مستعجلاً على سوقه، مستعجلاً قيام سوقه، فنشأ في حجر الكمال كما نشأ، فشأى من شأى منشأ‏.‏

قدمت حليمة والجدب عام في العام، فعرض على المرضعات فأبين لليتم، فراحت به حليمة إلى حلتها، فثاب لبنها ولبن راحلتها، فباتوا البركة روائه رواء، وهب على مباركهم نسيم نسمة مباركة، فلما ظعنت الظعاين أتت أتانها تؤم أمام الركب، فلما حلوا حللهم‏.‏ كانت الرعاء تسرح فيعفرها سرحان الجدب، وراعي حليمة يعيد الغنم بالغنم‏.‏

فبينا الصبي مع الصبيان، هبت صبا الجبر بجبريل، فجاءه فجأة فشق عن القلب، ثم شقه وما شق عليه، فعلق بيده من باطية باطنه علقة، فقال هذا حظ الشيطان، وقد قطعنا علقه ثم أعاد قلبه بعد أن قَلَبَه، وما به قلبة، فبقي أثر المخيط في صدره، باقي عمره لإظهار سورة ‏"‏ألم نشرح‏"‏‏.‏

فلما بلغ ست سنين، ألوى الموت بالوالدة، فجد في كفالته الجد، ثم طلب الموت عبد المطلب، فما أبى الطالب، ولا اشتغل بأوصابه حتى أوصى به أبا طالب، فخرج به وقد زانه كالتاج تاجراً، فتيمم باليتيم منزل تيماء، فرآه بحيراء ببحرته فقرأ سمات النبوة من شمايل ‏"‏يعرفونه‏"‏ فشام برق فضله فلاح من شيمة شامته، فقال لعمه‏:‏ احفظ هذه الشامة من شامت‏.‏

وما زال نشره يضوع ولا يضيع، إلى أن تمخضت حامل النبوة في إبان التمام، وآثر الطلق طلاق الخلق، فتحرى غار حراء للفراغ فراغ إليه الملك، فأغار حبل الوصال في ذلك الغار، فأفاض عليه حلة ‏"‏اقرأ‏"‏ فأفاض إلى حلة ‏"‏زمِّلوني‏"‏ فسكّنت خديجة غلته، بعلة إنك لتصل الرحم ثم انطلقت به إلى ورقة فقرأ من ورقة سيماه نقش فضله، فتيقظ لفهم أمره إذ ناموا، فقال‏:‏ هذا الناموس الذي نزل على موسى، ولقد عرفه الأحبار في الكنايس، والرهبان في الصوامع، وأنذر به الرئي وأخبر به التابع‏.‏

فكانت تسلم عليه قبل النبوة الأحجار، وتبشره بما أولاه مولاه الأشجار، وكان خاتم النبوة بين كتفيه، وسرايا الرعب تترك كسرى كالكسرة بين يديه، ألبس أهاب الهيبة وتوج تاج السيادة، وضمخ بأذكى خلوق أزكى الأخلاق، وأحل دار المداراة، واجلس على صفحة الصفح ولقم لقم لقمان الحكيم، ووضعت له أكواب التواضع، وأديرت عليه كؤوس الكيس متضمنة حلاوة الحلم، ختامها مسك النسك، وأعطى لقطع مفازة الدنيا جواد الجود، ونوول قلم العز فوقع على صحائف الكد، ‏"‏كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد‏"‏، كان يعود المريض، ويجيب دعوة المملوك، ويجلس على الأرض، ويلبس الخشن، ويأكل البشع، ويبيت الليالي طاوياً، يتقلب في قعر الفقر، ولسان الحال يناديه‏:‏ يا محمد نحن نضن بك عن الدنيا لا بها عنك‏.‏

ولقد شارك الأنبياء في فضائلهم وزاد، أين سطوة ‏"‏لا تذر‏"‏ من حلم ‏"‏اهد قومي‏"‏ أين انشقاق البحر‏:‏ من انشقاق القمر، أين انفجار الحجر من نبع الماء من بين الأصابع، أين التكليم عند الطور من قاب قوسين، أين تسبيح الجبال في أماكنها من تقديس الحصى في الكف، أين علو سليمان بالريح من ليلة المعراج، أين إحياء عيسى الأموات من تكليم الذراع، كل الأنبياء ذهبت معجزاتهم بموتهم، ومعجزة نبينا الأكبر، قائمة على منار ‏"‏لأنذركم به ومن بلغ‏"‏ تنادي ‏"‏فأتوا بسورة من مثله‏"‏ ولقد أعرب عن تقدمه من تقدمه، ‏"‏آدم ومن دونه تحت لوائي‏"‏ لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلا اتّباعي، فإذا نزل عيسى صلى مأموماً، لئلا يدنس بغبار الشبهة وجه ‏"‏لا نبي بعدي‏"‏‏.‏

فهو أول الناس خروجاً إذا بعثوا، وخطيب الخلائق إذا وفدوا، ومبشر القوم إذا يأسوا، الأنبياء قد سكتوا لنطقه، والأملاك قد اعترفوا بحقه، والجنة والنار تحت أمره، والخزان داخلون في دائرة حكمه، وكلام غيره قبل قوله لا ينفع وجواب الحبيب له ‏"‏قُل تُسمَع‏"‏ فسبحان من فض له من الفضائل ما فضله، وكسب من حلل الفخر الجم ما جمله، جمع الله بيننا وبينه في جنته، وأحيانا على كتابه وسنته‏.‏

الفصل الرابع والعشرون قصة الغار والصديق

لما أغارت قريش خيل الحيل على الرسول، خرج إلى غار لو دخله غيره كان غرراً، فغريت قريش بالطلب، فنبتت شجرة لم تكن قبل‏.‏ قبل الباب، فأظلت المطلوب، وأضلت الطالب، وجاءت عنكبوت فسدت فسدّت باب الطلب، حاكت وجه الغار فحاكت ثوب نسجها فحاكت ستراً، ثم حمى اللطف الحمن، بحمامتين فما كان إلا أن سكنتا من الغار فماً، فما بان المستتر فاتخذتا عشاً، فغشى ما غشى من غشاء العشا، على أبصار المقتفين فصاروا كالأعشى، فراغ الأعداء نحو تلك الناحية، فرأوا دليل فراغ الغار الغار، فعادوا عن من عادوا، عوداً بحتاً بلا بخت، فقال الصديق عن حر الوجد، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا، فقال‏:‏ ‏"‏ما ظنك باثنين الله ثالثهما‏"‏‏.‏

فلما رحلا لحقهما سُراقة، فسرقت الأرض قوايم فرسه، فلما رأى أرضاً صلداً قد فرست الفرس، فرست إلى بطنها ببطنها، أشربت نفسه علم اليقين بظنها، فأخذ يعرض المال على من قد رد مفاتيح الكنوز، ويقدم الزاد إلى شبعان ‏"‏أبيت عند ربي‏"‏ فجازا على خيمة أم معبد، فأصحت شاتها، وأصبحت تشهد، فوصلا إلى يثرب على نجائب السلامة، وفات الخير مكة، وفاءت المدينة بالكرامة‏.‏

الفصل الخامس والعشرون في قصة أهل بدر

لما بادر بدر الشريعة بالخروج إلى بدر، رأى في أصحابه قلة فارتقى قلة ‏"‏وشاورهم‏"‏ فقام المقداد عن قوله قومة، لحق متابعة المبايعة، فقال‏:‏ لو سرت إلى برك الغماد لتابعناك فما لبث الرسول أن صار يطلب بالخطاب الأنصار، ففطن لسعادته سعد بن معاذ، فقال‏:‏ لو خضت البحر لخضنا، فرأى المصطفى في الأعداء العدد والعدة، والتفت إلى المسلمين فوجد إذ ما وجد، فاستقبل قبلة الطلب، واقتضى كريماً ما ماطل، فانتدب مدد العون بلا عون، فأقبلت سحابة تسحب ذيل النصر، فسمع المشركون منها حمحمة الخيل فحموا، وانقلبت قلوبهم من يحمومها حماً، فنزلت الملائكة مع الإلفين، جبريل في ألفين، وميكائيل في ألفين، وأسرى إسرافيل في ألف مرد مردفين، فعدلوا كالغمايم، قد سدلوا العمايم، وأرسلت قريش رايداً، فعاد بتأثير سالقي، فحذر القوم العزل سهام العزايم، فأثر عتبه في عتبة، وكان يشيب خوفاً شيبة، وأحكم حزام الحزم حكيم بن حزام، وأبى للجهل أبو جهل‏:‏

فلزهم الطراد إلى قـتـالٍ *** أحد سلاحهم فيه الـفـرارُ

مضوا متسابقي الأعضاء فيه *** لأرجلهم بأرؤسهم عِـثـارُ

فلما قلبوا إلى القليب، قام الرسول على رأس الرس ينادي الرؤساء حين رسوا بلسان ‏"‏فانتقمنا‏"‏ عن جواب ‏"‏إن تستفتحوا‏"‏ لتصديق ‏"‏وينصرك الله‏"‏ في مضمون ‏"‏هل ثُوِّب‏"‏ يا فلان ويا فلان‏:‏ ‏"‏هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً‏"‏‏.‏

ذكر من شهد بدراً على الحروف حرف الألف أبي بن كعب، أبي بن ثابت، أوس بن ثابت، أوس بن خولي، أوس بن الصامت، أسعد بن يزيد، أنس بن معاذ، الأرقم، أربد، أسيرة، إياس‏.‏

حرف الباء بشير بن البراء، بشير بن سعيد، بلال، بحاث، بسبس‏.‏

حرف التاء تميم بن يعار، تميم مولى خراش، تميم مولى بني غنم‏.‏

حرف الثاء ثابت بن أرقم، ثابت بن ثعلبة، ثابت بن خلد، ثابت بن عمرو، ثابت بن هزال، ثعلبة بن حاطب، ثعلبة بن عمرو، ثعلبة بن غنمة، ثقيف‏.‏

حرف الجيم جابر بن خالد، جابر بن عبد الله بن رئاب، جبار، جبير، جبر‏.‏

حرف الحاء الحارث بن أنس، الحارث بن أوس، الحارث بن خزمة، الحارث بن ظالم، الحارث قيس، الحارث بن النعمان، حارثة بن الحمير، حارثة بن سراقة، حارثة بن النعمان بن رافع، حارثة بن النعمان بن نفيع، حاطب بن أبي بلتعة، حاطب بن عمرو الحباب، حبيب الحرام، حريث، حصين، حمزة‏.‏

حرف الخاء خالد بن البكير، خالد بن زيد، خالد بن قيس، خلاد بن رافع، خلاد بن سويد، خلاد بن عمرو، خليد، خباب بن الأرت، خباب مولى عتبة، خبيب بن يساف، خارجة، خليفة، خنيس، خولي‏.‏

حرف الدال ليس فيه أحد‏.‏

حرف الذال ذكوان، ذو الشمالين‏.‏

حرف الراء رافع بن الحارث، رافع بن عنجدة، رافع بن المعلى، رفاعة بن رافع، رفاعة بن عبد المنذر، رفاعة بن عمرو، الربيع، ربيعة، ربعي، رجيلة‏.‏

حرف الزاي زيد بن أسلم، زيد بن حارثة، زيد بن الخطاب، زيد بن سهل، زيد بن وديعة، زياد بن كعب، زياد بن لبيد، الزبير‏.‏

حرف السين

سعد بن خولة، سعد بن الربيع، سعد بن سهل، سعد بن عثمان، سعد بن مالك، سعد بن معاذ، سعد القاري، سعيد بن قيس، سهل بن حنيف، سهيل بن رافع، سهيل بن عتيك، سهل بن عدي، سهل بن قيس، سهيل بن بيضاء، سليم بن الحارث، سليم بن عمرو، سليم بن قيس، سليم بن ملحان، سليم أبو كبشة، سلمة بن أسلم، سلمة بن ثابت، سلمة بن سلامة، سالم بن عمير، سالم مولى أبي حذيفة، سراقة بن عمرو، سراقة بن كعب، سماك بن خرشة، سماك بن سعد، سنان بن صيفي، سنان بن أبي سنان، سويبط، سواد بن رزين، سواد بن غرية، السايب، سبيع، سفين، سليط‏.‏

حرف الشين شجاع، شماس‏.‏

حرف الصاد صالح، صفوان‏.‏

حرف الضاد ضمرة، الضحاك‏.‏

حرف الطاء الطفيل بن الحارث، الطفيل بن مالك، الطفيل بن النعمان‏.‏

حرف الظاء ليس فيها أحد‏.‏

حرف العين عبد الله أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، عبد الله أبو سلمة، عبد الله أنيس، عبد الله بن ثعلبة، عبد الله بن جبير، عبد الله بن جحش، عبد الله بن الجد، عبد الله بن الربيع، عبد الله بن رواحة، عبد الله بن زيد، عبد الله بن سراقة، عبد الله بن سلمة، عبد الله بن سهل، عبد الله بن سهيل، عبد الله بن طارق، عبد الله بن عبيد الله بن أبي عبد الله بن عبد مناف، عبد الله بن عبس، عبد الله بن عرفطة، عبد الله بن عمرو، عبد الله بن عمير، عبد الله بن قيس بن خلدة، عبد الله بن قيس بن صخر، عبد الله بن مخرمة، عبد الله بن مظعون، عبد الله بن النعمان، عبد الرحمن بن جبر، عبد الرحمن بن عبد الله، عبد الرحمن بن عوف، عبيد بن أوس، عبيد بن زيد، عبيد بن أبي عبيد، عبيدة بن الحارث، عباد بن بشر، عباد بن قيس، عباد بن الخشخاش، عبد ربه، عتبة بن أبي ربيعة، عتبة بن زيد، عتبة بن غزوان، عتبة بن عبد الله، عقبة بن عامر، عقبة بن وهب بن ربيعة، عقبة بن وهب بن كلدة، عمر بن إياس، عمرو بن ثعلبة، عمرو بن سراقة، عمرو بن طلق، عمر بن معاذ، عمر بن أبي سرح، عمير بن الحارث، عمير بن الحمام، عمير بن عامر، عمير بن عوف، عمير بن مالك، عمير بن معبد، عمار، عمارة، عامر بن أمية، عامر بن البكير، عامر بن الجراح، عامر بن ربيعة، عامر بن سلمة، عامر بن فهيرة، عامر بن مخلد، عاصم بن ثابت، عاصم بن العكير، عامر بن قيس، عصيمة الأشجعي، عصيمة الأنصاري، عوف بن أثاثة، عوف بن عفرا، عاقل، عايذ، عبس، عدي، عنترة، عويم، عياض، عثمان بن مظعون‏.‏

حرف الغين غنام‏.‏

حرف الفاء الفاكه، وفروة‏.‏

حرف القاف قيس بن أبي صعصعة، قيس بن عمرو، قيس بن محصن، قيس بن مخلد، قتادة، قدامة، قطبة‏.‏

حرف الكاف كعب بن حماز، كعب بن زيد، كعب بن عمرو، كناز‏.‏

حرف اللام ليس فيه أحد‏.‏

حرف الميم مالك بن التيهان، مالك بن ثابت، مالك بن الدخشم، مالك بن ربيعة، مالك بن عمرو أبو حبة، مالك بن عمرو أخو ثقيف، مالك بن عمرو بن خيثمة، ملك بن قدامة، ملك بن مسعود، مسعود بن خلدة، مسعود بن الربيع، مسعود بن سعد الحارثي، مسعود بن سعد الزرقي، معاذ بن جبل، معاذ بن عفراء، معاذ بن ماعص، المنذر بن عمرو، المنذر بن قدامة، المنذر بن محمد، معتب بن حمراء، معتب بن عبدة، معتب بن قشير، معبد بن عبادة، معبد بن قيس، محرز بن عامر، محرز بن نضلة، معوذ بن عفراء، معوذ بن عمرو، مبشر، المحذر، محمد بن سلمة، مدلاج، مرثد، مصعب، معقل، معمر، معن، المقداد، مليل، مهجع‏.‏

حرف النون النعمان بن ثابت، النعمان بن سنان، النعمان بن عمرو، النعمان بن عبد عمرو، النعمان بن عصر، النعمان بن مالك، النعمان بن أبي خزمة، نصر، نوفل‏.‏

حرف الواو وهب بن سعد، وهب بن محصن، وافد، وديعة، وذقة‏.‏

حرف الهاء هاني، هشام، هلال‏.‏

حرف الياء يزيد بن الحارث، يزيد بن رقيش، يزيد بن عامر، يزيد بن المزين، يزيد بن المنذر‏.‏

وممن يعرف بكنيته ولا يعرف باسمه أبو الحمراء، أبو خزيمة، أبو سبرة، أبو مليل‏.‏

وامتنع من شهود بدر ثمانية لأعذار، فضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهامهم وأجورهم فكانوا كمن شهدها‏:‏ عثمان، وطلحة، وسعيد، والحارث بن حاطب، والحارث بن الصمة، وخوات، وعاصم بن عدي، وأبو لبابة‏.‏

فهؤلاء البدريون بجملتهم، حشرنا الله في زمرتهم‏.‏

الفصل السادس والعشرون في تزويج علي بفاطمة عليهما السلام

كان للنبي صلى الله عليه وسلم بنات فضلتهن فاطمة، وزوجات سبقنهن عائشة، وذلك أن اختيار القدر لا يحابي في التساوي، تُسقى بماء واحد ‏"‏ونفضِّل بعضها على بعض في الأكُل‏"‏ لما نهض عليّ لخطبتها، طرق بأنامل رجائه أرجاء باب الخطبة، فمشى إليه الآذن بالأذن على عجل العجل، فقد صدق الرغبة قبل نقد الصداق، فعقد العقد على درع لينبّه على جهاد الهوى، وجهزت بالإجهاز على عدو الزهد، ولم يرض لها جهاز الدنيا، لموافقة البضعة التي هي منه، فحلاها الرسول بحلية ‏"‏فاطمة بضعة مني‏"‏ وعقد لها عقداً خرزات نظامه ‏"‏إن الله ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك‏"‏، وبعث بين يديها وصايف ‏"‏غُضُّوا أبصاركم‏"‏ ونصب لها سدة ‏"‏ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة‏"‏، وأدخلها على الزوج في حلل الحالية عليها قناع القناعة، تسعى في فضاء الفضائل إلى خلوة الخلة، حتى أجلست على منصة النص، فأمر الله تعالى ليلة عرسها، شجر الجنان، فحملت حللاً وحلياً فنثرته على الملائكة، وليس المراد بذلك الملك، ولكن ليعلم رضى الملك‏.‏

يا عجباً، نثرت الحلل لأجل من فراشه جلد كبش، هلا حلت له منه حلة، كلا مركب الملك أحلى من أن يحلى، فدخل عليها الرسول، فاستدعى بإناء من ماء، فدعا فيه بالبركة، ثم رش على حبيبين بلا غش، فلما طاب لعلي ذلك الوقت، سأل الرسول سؤال سكران من شراب الوصل‏:‏ يا رسول الله أنا أحب إليك أم هي‏؟‏ ففصل الحاكم بين خصوم الحب، فقال‏:‏ هي أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها، فلما حازت بما حازت قناطر الفضل، صين وجه الكمال بخال الخلل في العيش، فأقوى على الأقوى ففر الفقر، فصيح بفصيح خطاب الشرع‏:‏ يا علي قم لكسب قوت الوقت، فخرج يسعى على أرض الرضا، بين أعلام الصبر، فبات يسقي نخلاً إلى الفجر بشيء من الشعير على وجه الأجر، فلما جاء به وأصلح للأكل قام سايل على باب البذل، فنادى‏:‏ يا أهل نادي الندى والفضل، أطعمونا أطعمكم الله من الفضل، فثارت رياح الارتياح للإيثار، فأثارت سحاباً يقطر من قطرته قطر جور الجود، فسأل سيله بقدر وادي الود، فلما تروت بالماء أشجار الأنس، صدحت على ورقها ورق القدس وأغنى عن غرايب صدح المد ‏"‏ويُطعِمون الطعام على حُبِّه‏"‏ ثم أخبر الحق، عن مضمون القصد ‏"‏إنما نطعمكم لوجه الله‏"‏ فلو رأيت القوم يوم القيامة، في ظل ‏"‏فوقاهم الله‏"‏ وقد اكتست أجساد وكست بكسا الضنك غضارة العيش على حلل الخفض، واستراحت أيد تفرق أيدها من طحن الرجاء ونزع الدلو، ‏"‏متكئين فيها‏"‏ هذا من حصاد بذر النذر‏.‏

ولقد عجب العلماء من شرح هذا الأجر واستظرفوا عدم ذكر الحور في هذا الذكر، فبقوا متحيرين في جير الفكر، فنودوا من بطنان وادي الفضل، بأن ذلك لفضل فضل زهراء الأنس، غير عليها من ذكر الغير، وإنما أثرا على الطفلين، لأنهما غصنان من شجرة ‏"‏أبيت يطعمني ربي‏"‏ وبعض من جملة ‏"‏هي بضعة مني‏"‏ وفرخ البط سابح، وذكاة الجنين كذكرة أمه‏.‏